كثيراً ما يقف المرء أمام عظائم من الأمور موقف الشجاعة والحذر
فله من دونها حصن لا تستطيع أن تهجم عليه بكليتها
وإن سعت إليه ونادى مناديها عليه
لاقاها بحزمه وعزمه
ولكن ثمة ثغور لم تحظ بتحصين
بل ولم يُرعَ لها بال
ظلت تنفذ من خلالها توافه الأمور واحدة تلو الأخرى
يشد بعضها بعضاً حتى يشتد عودها
وتستحكم حلقاتها
وتُغلق على ذلك الحزمِ والعزمِ
حتى يضحى ذلك الثابت أمام مَوْجها وإعصارها
أسيراً بين يديها
وهكذا حتى يستسلم المرء لتلك التوافه حتى تغلبه على أمره
مثل الأشجار التي امتد طولها
واشتد ساقها
لطالما وقفت عاتية أمام الصواعق والأعاصير
تهزها مرة بعد مرة
وهي جاثمة مكانها كالجبال الرواسي
ولكن لما زحفت إليها جيوش الهوام والحشرات
وبدأت تنخرها شيئاً فشيئاً
سوتها بالأرض
وهكذا حين يستسلم المرء للتوافه حتى تلتهم حياته التهاما
وكم لتلك التوافه من عواقب وخيمة
لم تبدُ لصاحبها لأول وهلة
فغض الطرف عنها
واسترسل في دركاتها
حتى بلغ هاويةٌ لم يستطع عنها فِكاكاً
فأفسدت له دينه
وأوبقت له دنياه
قال النبى – صلى الله عليه و سلم - يوم الحج الأكبر:
((ألا وإن الشيطان قد أيس أن يعبد في بلدكم هذا أبداً، ولكن سيكون له طاعة فيما تحتقرون من أعمالكم، فسيرضى به))
وفي المسند من حديث ابن مسعود أن النبي قال:
((إياكم ومحقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا ببطن واد، فجاء ذا بعود، وجاء ذا بعود، حتى جمعوا ما أنضجوا به خبزهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبُها تهلكه))